حكايا من القرايا " الشريكان "

القائمة الرئيسية

الصفحات


حكايا من القرايا " الشريكان "

 


حكايا من القرايا
" الشريكان "
كانا جسدين في روح واحدة، لا يفترقان إلا عند النوم، صديقين منذ الطفولة، والدراسة، والشباب... أبو عماد له ثلاثة أطفال، وأبو صابر لم يطعمه الله الخلف، لكنه كان يعتبر أولاد صديقه، كأنهم أولاده... ويزيد...
وشاءت الأقدار أن يتشارك الرجلان في (بابور) طحين، يطحنان الحبوب للبلدة والبلاد المجاورة لها... والوفق يعين على الرزق... والله مادد لهم الرزق، وباسطه لهم، وماكينة الحب تحيله طحيناً، والبركة من السماء... 
لكن دوام الحال من المحال، مرض أبو الصابر، وزار أطباء كثر، وزاره الناس للاطمئنان عليه، لكن المرض استفحل، وكأنه بات يأكل جسده... وبينما كان يجلس أبو عماد عند رأسه، يبلل الخرق بالماء البارد، فتستحيل كمّادات تخفف من حرارة المريض، (بحلق) المريض بوجه صديقه، وتأمله وهو يشد (يجزّ) على شفتيه، كأنه يوصيه... وخرجت الروح إلى باريها...
بعد أربعة أشهر وعشراً... اجتمع أبو عماد مع الأرملة أم الصابر، واتفقا على استمرار تشغيل بابور الطحين مناصفة، كما كان الحال زمن (أبو الصابر)... ودارت العجلة، وكثر الخير، ومر شهر وشهران وثلاثة... بل مرت السنة الأولى بعد وفاة الصديق، وأم الصابر تأخذ نصيبها على داير مليم... وفي إحدى جلسات قسمة الغلّة قرب ماكنة الطحن، قال لها، بين الجد والمزاح: شو رايك تحطي طحينك ع زيتاتي، ونصير أسرة واحدة... أجابت، وقد احمرّ وجهها: لع، يا خيّي، طحيناتي إلي، وخلليلك زيتاتك... وانت عندك كوم لحم في الدار، وأنا بعد أبو الصابر ما بدي أشوف رجال... لكن الإلحاح يغير المواقف، الرجّال ما دشّرها بحالها، كل يوم يستعرض حاله قدامها، وكل يوم يحاول يقنعها، ويعيد ويزيد " وما يدريك، لعل الله يطعمك الولد "... ودخل (ميازها) الرجل... وافقت على الزواج منه، وتزوجته...
و(يا مْؤمنة للرجال، يا مْؤمنة للميّ بالغربال...) في سنة أولى زواج بدأت معاملة الرجل تتغير تجاهها، وكان الغاير، يعمل في تزوير أوراق، تحكي بأنه هو الذي يملك البابور وحده... وفي ليلة ما فيها (ظيْ قمر) أحضر ورقة الملكية المزوّرة، مرفقة بورقة طلاق أم الصابر... هالحقير... خللا المرة تردح وتلطم... وتقلع بشعرها...
وغادرت بيت (أبو عماد) إلى بيتها الأول... صارت خرّيفية في البلد، بل في المنطقة كلها... وعاد ابن أخيها من الغربة، فوجد حالها لا يسر صديقاً... واحد من البلدة همس بأذن ابن الأخت، أنه وحسب علمه، البابور ملك لأبي الصابر، وأبو عماد كان يقاسمه الغلّة مناصفة لقاء أجرة عمله فيه... وأتى عمته، وطلب ما تخزنه من أوراق، وفتش الرجل ونبش... حتى وجد ورقة تقرّ بأن البابور لأبي الصابر... وأبو عماد أجير عنده... وسلم الورقة للمحامي... وبتت المحكمة بقرارها النهائي، حيث سجنت المزوّر... وطردت الطماع الخائن من بَرَكَة الطحين... وعاد الحق إلى صاحبته أم الصابر...

بقلم: عمر عبد الرحمن نمر



تعليقات


التنقل السريع