حكايا من القرايا"الحطّابات"

القائمة الرئيسية

الصفحات


حكايا من القرايا"الحطّابات"

حكايا من القرايا

"الحطّابات"

التحطيب مهنة فلسطينية قديمة، مارسها الحطّاب لجمع الحطب وبيعه، ومارستها المرأة الريفية الفلسطينية، لرفد البيت بالحطب، حيث كان الحطب مادة أساسية في البيت، فكما كان يُجْمَعُ القصل، وروث البهائم والقش لنار الطابون... كان يُجْمع الحطب لنار الموقدة، ذات الأحجار الثلاثة، والتي كانوا ينصبونها في قاع الدار، للطبيخ، وتسخين الماء...

كانت المرأة تحمل فاسها وقدّومها، وتسرح والطيور في أعشاشها قبل طلوع الشمس، تبحث عن شجيرات بريّة في الهيش البعيد، والوديان، وإن لم تجد الشجيرة، قطعت ما عسي من الزعتشور، والخرفيش اليابس، والشوكران اليابس، قطعته ورمته في الأرض، ثم جمعته في حزمة واحدة، وربطتها بأخراص نبات الرباط المجدّلة، ثم وضعت القدّوم والفاس في حزمة الحطب، وقعدت على ركبة ونص، ورفعتها على راسها... حملتها، وعادت بها إلى البيت. ما أكثر حكايات التحطيب في القصّّ العربي! وهي حكايات تزخر بالغرائبية والعجائبية والسحر.

حدثت الحجة حسنية، قالت: كنا نخرج في ليل... أحيانا في ليل مقمر، وأخرى بليال بلا قمر... نسرح مبكرين،حتى نلحق برامجنا البيتية الأخرى... من كنس وجلي وغسيل وطبخ... في كثير من الليالي كنا (ننقمر)، نظن أنه موعد السراحة، ونقطع المسافات، في وديان غشيمة، وجبال موحشة... وبعد وقت طويل يؤذن الصبح... فندرك أننا انقمرنا... وتهنا في الوقت.

الحجة سعدى... كادت تقسم أنها قابلت الغولية، وجهها الطويل، وعيناها خلقتا في وجهها بالطول... وكانت تنادي: تعالي هون يا عمتي... تعالي هون... هون في حطب كثير... وهذه الخريفية إن دلت على شيء، فإنها تدل على الخوف الذي كان يعتري جامعات الحطب في الأراضي البور...

أم محمود المعدلة، أدلت بدلوها، وقالت: في إحدى المرات، والدنيا ظلام، والندى غراق، فلا تكاد ترى أمامك... مددت يدي على عصاً طويلة بين الحشائش؛ لأضمها إلى حطبي... فتحركت بين يدي... صحت وهربت، وإذ بها حية تسعى... لكن جمدت من الخوف... وأشهد أنها المرة الأولى التي أرتعب فيها، وأشرب من طاسة الرجفة... وأم محمد الغورانية خرّجت علي، حتى أخرجت الخوفة مني...

الحجة صالحة، وكأنها تريد تلخيص اللقاء، أفادت: والله يمّا اللي شفناه ما حدا شافه... حياة مثل (التشحل) الكحل الأسود... " قلة وذلة وتشحل اسود" بقت الوحدة منا تشتغل برّا جوّا عشان تستر حالها... و(هيتش) خلّفنا  وربّينا... والحمد لله... صبرنا ونلنا يمّا...

كاتب:
عمر عبد الرحمن نمر


تعليقات


التنقل السريع